الرئيسية / ملفات / خطبة الجمعة.. أصلحوا ذات بينكـم

خطبة الجمعة.. أصلحوا ذات بينكـم

قال الله عز وجل ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [الأنفال: 2] هذه الآيات نزلت عَقِبَ غزوة بدر وقد غَنِمَ المسلمون غنائم كثيرة من قريش فحصل نزاع وخلاف بينهم في هذه الغنائم فأنزل الله عز وجل هذه الآيات ليبين أن هذه الغنائم لله ورسوله يضعانها حيث شاءا، ثم أمرهم المولى تعالى بالتقوى وإصلاح ما بينهم من التشاحن والتقاطع والتدابر وذلك بالتوادد والتحاب والتواصل، فبذلك تجتمع كلمتهم ويزول ما يحصل من التخاصم والتشاجر والتنازع. ولا يكون ذلك إلا بإزالة أسباب التنازع بينهم وتصفية النفوس والقلوب للمسلمين. ثم بيَّن الأمر الجامع لذلك والدال عليه والمحفز إليه وهو تقوى الله عز وجل وطاعته ورسوله، ودليل ذلك أن المؤمنين الإيمان الحق هم الذين إذا ذكر الله عز وجل وجِلت قلوبهم فخافت وخشيت غضبَ ربِّها فأوجبَ ذلك لها الانكفافَ عما يُغْضِبُ الربَّ سبحانه.
لقد صارت هناك وحشةٌ غريبةٌ بين المسلمين وصارت الأخوةُ مقتصرةِ على التَّبَسُّمِ في الوجه مع ما في القلبِ من الغلِّ والحقدِ والحسدِ، وما في السرِّ من الغيبة والنميمة وسوءِ الظنِّ والغشِّ. وقد حذرنا نبينا صلى الله عليه وسلم من كلِّ ما يوقعُ العداوةَ والبغضاءَ بين المسلمين، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَكْذِبُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا – وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ – بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ» ففي هذا الحديث نهانا النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن بعض الأمور التي توقعُ العداوةَ والبغضاءَ بين المسلمين، وهذه الأمور التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم ليست على سبيل الحصر ولكنها غالبُ ما يكون بين الناس مما يوقعُ بينهم البغضاء، لكنه في نهاية الحديث أجمل فقال « كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه «. وقد أخبر نبيُّكم أن الفرقةَ بين المسلمين من عبادةِ الشيطان، فعَنْ جَابِرٍ – رضي الله عنه – قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ». وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن فَسَادَ البَيْنِ تَحْلِقُ الدين أي تَنْزِعُهُ وتُزِيُلُه، عن أبي الدرداء -رضي اللَّه عنه-، قال: قال رسول اللَّه – صلى اللَّه عليه وسلم -: «أَلا أُخْبِرُكُمْ بأفضل من درجةِ الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى، قال: إصلاحُ ذاتِ البَيْن، وفسادُ ذاتِ البَيْن: الحالِقَةُ».
الخطبة الثانية
إن اجتماع كلمة المسلمين وإصلاح ما بين قلوبهم من أعظم مقاصد الشريعة الإسلامية، وهي من أسباب القوة ومن أسباب حفظ دين المسلم، ولذلك نهت الشريعة عن الفرقة وجعلت الاجتماع من أسباب حفظ الدين، عن أَبي الدَّرْدَاءَ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَا مِنْ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ لَا تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلَاةُ إِلَّا اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ، فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ مِنَ الْغَنَمِ الْقَاصِيَةَ».
لذلك جعلت الشريعة رباطا بين أصحاب الشريعة الواحدة هو رباط الدين، وهو رباط وثيقٌ قد يعلوا فوق رباط الدم إذا حصل تعارض بينهم، ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الحجرات: 10]. وعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى». ولذلك جعل الله عز وجل معاملته للمسلم على وفق معاملة المسلم لأخيه المسلم، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: «مَنْ نَفَّسَ عن مسلم كُربةً من كربِ الدنيا نَفَّسَ اللَّه عنه كُربةً من كُرَب يوم القيامة، ومَنْ يَسَّر على مُعْسِر يَسَّر اللَّه عليه في الدنيا والآخرة، ومَنْ سَتَر على مسلم سَتَرهُ اللَّه في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ في عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كانَ العبدُ في عَوْنِ أخِيه». فالأخوة الحقة هي القائمة على النصح والتعاون على البر والتقوى، فلابد للمسلمين أن يصلحوا ما بينهم، فهذا أمرٌ واجب على كل مسلم أن يُصلح ما بينه وبين أخيه لأن هذه الفرقة وهذا النزاع خطر عظيمٌ قد يحول بين المسلم ورفع عملِهِ إلى الله عز وجل. وأما التنازع في الدنيا، وأما التحاسد والتباغض والتدابر، وأما فساد ذات البين فهي المهلكة وهي الحالقة التي تحلق الدين.