منوال التنمية المنشود وأولويات إنقاذ الاقتصاد الوطني التونسي
أولا: أي منوال تنموي جديد نحتاج؟
أصبح منوال التنمية في تونس يثير العديد من الإشكاليات لان تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ليست في النهاية الا نتاجا لمنوال نيوليبرالي انتهت مدة صلوحيته وأصبح عديم الجدوى ولم يعد يستجيب لمتطلبات المرحلة التي تعيشها بلادنا. وباء “كوقيد 19” والحرب في أكرانيا ليس الا عاملان زادا في تعميق الازمة وتوسيع تداعياتها.
في البداية، لا بد من القيام بالملاحظات التالية:
- بلورة منوال تنمية ليس عملية فنية بحتة بل تتطلب تحقيق مجموعة من الشروط مثل تحديد الأولويات والبرامج والتخطيط المحكم والتعريف بالأبعاد الاقتصادية والاجتماعية للتنمية المنشودة.
- المنوال النيوليبرالي المعمول به حاليا لم يعد مجديا لأنه تضمن مجموعة من الخيارات الاقتصادية والاجتماعية أدت الى الفشل في تحقيق النمو والى أوضاع اقتصادية متردية زادت من حدة الفقر والبطالة والتهميش.
- بناء منوال التنمية المنشود يتطلب إرادة سياسية حازمة قادرة على مواجهة اللوبيات المتمعشة من المنوال القائم والتي لا مصلحة لها في تغييره وتعمل على استمراره وتكييفه خدمة لمصالحها الفئوية.
- يجب ان يندرج هذا المنوال في إطار تصور جديد يقطع مع كل المفاهيم النيوليبرالية للنمو ومع نظريات صندوق النقد الدولي التي أسقطت على الاقتصاد التونسي وأدت الى تعطيل محركات النمو الأساسية على غرار الاستهلاك والتصدير والاستثمار والى فرض سياسة التقشف المتمثلة في تجميد الأجور والانتدابات وتقليص نفقات الدعم والزيادة في نسب الفائدة والضغط على قروض الاستهلاك والزيادة في الضرائب. ومن هنا جاء التساؤل الذي يطرح نفسه بصفة ملحة حول جدوى مواصلة الاعتماد على منوال نيو ليبرالي من اجل تحقيق اهداف ثورة ذات أبعاد اجتماعية عميقة.
ان تحقيق النمو هو ضرورة ملحة، لكن ما يجب التأكيد عليه هو أن هذا النمو غير كاف إذا لم يقترن بتوزيع عادل للثروة وإذا وقع احتكاره من طرف اقلية من السماسرة والفاسدين. هذا النمو يجب ان يكون في خدمة السواد الاعظم من الشعب وبذلك تتحقق التنمية التي تؤمن تحسين المستوى المعيشي للمواطنين.
من المفروض أن يرتكز هذا المنوال التنموي الجديد على:
1 ـ اعادة النظر في دور الدولة من اجل أن تقوم بمهامها المتمثلة في:
- تعديل آليات السوق وتصويب انحرافاتها من خلال مجموعة من القواعد تحددها الدولة وتعمل على تطبيقها فيما يتعلق بالأسعار والاحتكار ومسالك التوزيع.
- مقاومة الفساد والتهريب والسوق الموازية.
- حماية الشرائح الاجتماعية الضعيفة.
- تمكين القطاع العام من الوسائل الضرورية من اجل تنمية الجهات الداخلية.
- توفير كل الحوافز لفائدة الرأسمال الوطني لهدف الاستثمار خاصة في المناطق الداخلية.
- تشجيع الاستثمارات المباشرة الأجنبية وتوجيهها نحو تحقيق أهداف محددة.
- انجاز استثمارات عمومية ضخمة تهم خاصة البنية التحتية الهدف منها خلق مواطن شغل وإرساء اسس التنمية في المناطق الداخلية.
- تطوير منظومة البحث العلمي والتكنولوجي وجعلها في خدمة التنمية.
2 ـ تجنب السياسات التقشفية وتدعيم النفقات الاجتماعية والعمل على تنمية الطلب الداخلي كإحدى قاطرات التنمية حسب مفهوم اجتماعي تكون فيه الاولوية لتلبية حاجيات ومتطلبات السوق الداخلية.
3 ـ بناء اقتصاد وطني تتوازن فيه القطاعات الثلاثة:
- القطاع العمومي بوصفه الذراع الاقتصادية والمالية للدولة للقيام بمهامها المتمثلة في تقديم الخدمات الاجتماعية وتحسين البنية التحتية والقيام بمختلف النشاطات التي لا تخضع للمنافسة وبالدور التعديلي في الميادين الاقتصادية والاجتماعية. يجب التأكيد في هذا الصدد على ان كل اضعاف أو تفكيك لهذا القطاع يمثل هدرا للثروة الوطنية وتفريطا في مكاسب الشعب.
- القطاع الخاص الذي يجب أن يحظى بمناخ ملائم من اجل خلق الثروات ومواطن الشغل في ظل منظومة تنافسية شفافة تساعد على تمكين هذا القطاع من الاضطلاع بدوره الوطني في التنمية الجهوية وفي تشجيع المؤسسات الخاصة لتحمل مسؤولياتها الاجتماعية فيما يخص التشغيل والتكوين والاجور والخدمات الاجتماعية وترشيد استهلاك الطاقة والماء والمواد المدعمة.
- القطاع التضامني والاجتماعي الذي يجب تدعيمه لكي يستجيب للعديد من الحاجيات الاجتماعية للمواطنين في إطار مفهوم تنمية اقتصادي واجتماعي جديد. ولا يمكن تحقيق ذلك الا من خلال تكريس قيم العمل والتضامن والتآزر وبذل الجهد وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.
4 ـ اعادة توجيه الاقتصاد الوطني بالاعتماد خاصة على النشاطات ذات القيمة المضافة المرتفعة والمردودية الاجتماعية الثابتة على غرار الفلاحة والصناعة والخدمات ويكون الهدف هو ضمان الامن الغذائي وتلبية حاجيات السوق الداخلية وتحقيق التنمية المتوازنة بين الفئات الاجتماعية والجهات والاجيال مع اعتماد التمييز الايجابي لفائدة الجهات المهمشة والفقيرة.
5 ـ اعادة الاعتبار للقطاع الفلاحي بوصفه الضامن للأمن الغذائي وذلك من خلال تعصيره وتحسين مردوديته والرفع من قدرته التنافسية. ان الفلاحة التي جعلت من تونس مطمورة روما تتضمن امكانيات ضخمة لتشغيل الشباب لابد من استغلالها. ان بعث برامج احياء الاراضي الفلاحية والتشجير ومقاومة التصحر والفلاحة البيولوجية من شأنها ان تخلق عشرات الآلاف من مواطن الشغل. كذلك من المفروض مراجعة السياسة المتبعة فيما يخص الاراضي الدولية وتمكين الشباب من استغلالها مع توفير كل مستلزمات النجاح لهذه التجربة.
6 ـ اعطاء الاهمية القصوى للتنمية الجهوية التي يجب ان تكون احدى الاولويات في منوال التنمية. هذه التنمية لا يمكن ان تكون مهمة السلطة المركزية البيروقراطية التي تفرض على الجهات المشاريع والبرامج حسب رؤيتها. يجب ان تكون قرارات التنمية الجهوية وليدة تنسيق تام بين السلطة المركزية والسلطة الجهوية التي توكل اليها، في نهاية المطاف، مهمة تنفيذ برامج التنمية في جهاتها. وهنا لا بد من التأكيد على ان التنمية الجهوية هي بالأساس مسؤولية القطاع العام في إطار استراتيجية تنمية واضحة تدار من خلال حوكمة جيدة واستعمال رشيد للموارد البشرية والمالية.
7 ـ التراجع عن السياسة النقدية الليبرالية ودعوة البتك المركزي التونسي لاتخاذ كل الاجراءات الهادفة الى وضع حد لتقهقر قيمة الدينار والى القيام بدور نشيط في الحد من العجز النقدي والمالي وفي تمويل الاستثمارات وتنمية الانتاج.
8 ـ اتخاذ كل الاجراءات اللازمة من اجل تحقيق ادارة عصرية وشفافة تكون في خدمة المواطن والاقتصاد الوطني.
9 ـ اعادة هيكلة المنظومة البنكية وجعلها في خدمة تمويل الاستثمار والتنمية بالجهات والقطاعات المهمشة.
10 ـ العمل على النهوض بالصناديق الاجتماعية من اجل تجاوز عجوزاتها المتفاقمة.
11 ـ المحافظة على البيئة وبناء خطة شاملة لترشيد استهلاك مواردنا النادرة مثل المياه والأراضي الصالحة للزراعة والسواحل البحرية وحسن التصرف فيها.
12 ـ العمل على التحرر من فخ القروض الاجنبية. هذه القروض هي بمثابة هدايا مسمومة لان الحصول عليها هو رهن الامتثال الى الشروط المجحفة للمؤسسات المقرضة. لا بد اذن من الحد من التداين الخارجي واللجوء اليه الا لحاجة تمويل الاستثمارات المنتجة للثروة. وهو ما من شأنه ان يجنب البلاد رهن ثروات البلاد ومقدراتها والخضوع لإملاءات المؤسسات المالية العالمية ولخياراتها الليبرالية المعادية للشعوب.
ان مجمل هذه الاختيارات التي تشكل مكونات منوال التنمية المنشود لا يمكن تكريسها الا على المدى المتوسط وحتى الطويل. ولكن في انتظار ذلك، هناك إجراءات ذات أولوية لا بد من تحقيقها بصفة عاجلة لمواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تتخبط فيها بلادنا والتي زاد وباء الكورونا والحرب في أكرانيا من حدتها وانتشارها.
ثانيا ـ خطة انقاذ الاقتصاد الوطني
في انتظار بلورة منوال تنموي جديد، من الضروري تحديد خطة انقاذ تتمثل في مجموعة من الأولويات التي يجب إنجازها بصفة عاجلة:
1 ـ تحسين القدرة الشرائية للمواطنين
التضخم مضر بالقدرة الشرائية وبتنافسية المنتوجات الوطنية. مواجهة هذا التضخم هو تقريبا الهدف الوحيد الموكول تحقيقه الى البنك المركزي التونسي. وهذا الأخير ينطلق من رؤية نيوليبرالية تعتبر ان التضخم هو أساسا ظاهرة نقدية وبالتالي فان معالجته تتم من خلال الرفع من نسبة الفائدة المديرية. هذا الاجراء مني بالفشل وبالتالي لا يجب الاقتصار على الوسائل النقدية. فهناك العديد من العوامل التي تكمن وراء تفاقم غلاء الأسعار، ولذلك فان مقاومة التضخم يمر عبر حزمة من الإجراءات أهمها:
- تدعيم فرق مراقبة الأسعار.
- مقاومة المضاربين والمهربين بصفة ردعية وصارمة.
- مراقبة مسالك التوزيع،
- تشجيع البيع “من المنتج الى المستهلك“.
- تحقيق استقرار الدينار من خلال التقليل من العجز الخارجي وتنمية الإنتاج والتصدير وتحسين جاذبية تونس ومناخ الاعمال.
2 ـ تحسين الموارد المالية للدولة
تعاني الدولة عجزا كبيرا بسبب ضعف الموارد المالية وتزايد النفقات. ولتحسين موارد الدولة، يجب العمل على :
أ ـ دعم انتاج الفسفاط والنفط والغاز وتحسين مردودية هذه المواد مع العمل بكل جدية ومصداقية على حلحلة المسائل الاجتماعية المطروحة.
ب ـ التقليل من عجز الميزان التجاري من خلال مقاومة التوريد العشوائي الذي يستنزف العملة الصعبة ويضرب الصناعة الوطنية وذلك من خلال التشجيع على التصدير والبحث عن أسواق جديدة وحماية القطاعات الإنتاجية الوطنية من سلبيات انفتاح الأسواق الخارجية على مصراعيها.
ج ـ تحسين الموارد الجبائية للدولة من خلال الحد من التهرب الجبائي وارساء منظومة جبائية تكرس العدالة الاجتماعية. لا بد من اصلاح جذري للمنظومة الحالية التي يمثل فيها الأجراء أهم المساهمين في دفع الضرائب في الوقت الذي يتمنع فيه عدد كبير من أصحاب المهن الحرة والتجار من القيام بواجبهم الجبائي.
بلغت نسبة التهرب الضريبي في 2021 ما يعادل 24 بالمائة من الناتج الداخلي الخام ويعتبر المتمتعون بالنظام التقديري، وعددهم حوالي 400 الف، مصدر تهرب ضريبي مكثف بحيث لا تتجاوز نسبة مساهمتهم في الضرائب سوى 0,2 بالمائة من مجمل الموارد الجبائية .
ان مسالة تحسين موارد الجباية يجب ان تعالج بحذر شديد لأن تزايد الضغط الجبائي يؤدي الى التهرب والهروب الى الاقتصاد الموازي، والنتيجة هي اضعاف مداخيل الجباية. لذلك، لا بد من :
- التخفيض من الضرائب لإعادة الثقة وتحسين القدرة الشرائية والتشجيع على دفع الضرائب.
- إرساء اجبارية التصريح بالمداخيل.
- فرض دفع الضرائب على نشاطات الاقتصاد الموازي والتهريب.
- مقاومة الاقتصاد الموازي من خلال التخفيض من الضرائب على السلع الموردة وهو ما من شأنه ان يشجع المهربين على ادخال سلعهم عبر المسالك المنظمة وسينتج عن ذلك عائدات مالية للدولة واحتواء للاقتصاد غير المنظم.
3 ـ التقليص من البطالة
لا تزال البطالة من أهم المعضلات التي تواجه بلادنا. ويعتبر الشباب والنساء وأصحاب الشهادات والجهات الداخلية من أهم ضحايا البطالة.
مقاومة البطالة لا يكمن في انتدابات الوظيفة العمومية بل في:
- توفير التمويلات لفائدة المؤسسات وخاصة منها المؤسسات الصغرى والمتوسطة بمنحها قروض بنكية بنسب فائدة مدعومة من طرف الدولة التي يجب أن تتحمل جزءا من نسب الفائدة،
- صياغة برامج تنمية مخصصة للجهات وتأخذ بعين الاعتبار خصوصياتها،
- بعث بنك للجهات يعمل على توفير التمويلات الضرورية خاصة للمناطق المهمشة،
- تطبيق سياسة أشغال كبرى من خلال تنفيذ استثمارات عمومية واسعة من شانها ان تحفز الاستثمار الخاص وتخلق مواطن الشغل: تشجير، بناء المساكن الاجتماعية والمبيتات الجامعية، القيام بحملات نظافة…
- تشجيع الاستثمار من خلال الحد من السياسة النقدية المتشددة والتخفيض في نسبة الفائدة المديرية،
- تطبيق برامج تحويلات موارد مالية لفائدة الفقراء مع دعوتهم للقيام بأعمال مجانية (بعض الأيام في الأسبوع او بعض الساعات في اليوم) من اجل تحسين الخدمات العامة.
- تدعيم الاقتصاد الاجتماعي التضامني ووضعه حيز التنفيذ.
- العمل على جعل تونس وجهة جذابة للمستثمرين الأجانب من خلال اتخاذ إجراءات تحفيزية لفائدتهم ودعم الاستقرار السياسي والاجتماعي.
4 ـ إصلاح منظومة الدعم
المبدأ الأساسي فيما يخص الدعم هو ضرورة توجيهه الى الفئات الاجتماعية التي هي في حاجة ماسة اليه. لكن الصعوبة تكمن في تحديد هذه الفئات المستحقة للدعم دون سواها.
ان المطروح بشدة ليس الغاء الدعم، لأن كل رفع للدعم لا يمكن أن يتخذ خلال الازمات الاقتصادية والاجتماعية الحادة وبالتالي يعتبر اجراء ذو عواقب خطيرة. المهم هو معالجة مسالة الدعم بكل شفافية نظرا لحساسيته ولما يمثله من أعباء ثقيلة على الميزانية وهدر لموارد مالية طائلة تذهب لغير مستحقيها من أصحاب المداخيل المرتفعة. لذلك، فان حل مشكلة الدعم لا يمكن ان يتحقق الا من خلال إيجاد المعايير والمؤشرات الاجتماعية وكذلك الصيغ والآليات التقنية التي يتم بموجبها تحديد مستحقي الدعم في مرحلة أولى ثم الطرق التي يتم بواسطتها إيصال هذا الدعم لمن يستحقه.
على العموم، لا بد من تنفيذ سياسة دعم عادلة وهادفة غايتها توجيه المساعدات لمستحقيها دون سواهم مع المقاومة الجادة لكل عمليات الاحتكار التي تستهدف المواد المدعمة .
5 ـ مراجعة السياسة التجارية
لقد أدى التحرير الكلي للسياسة التجارية الى تخريب الصناعة المحلية والى تفاقم غير مسبوق للعجز التجاري نتيجة انكماش التصدير وتفاقم التوريد العشوائي.
يجب كذلك التوجه نحو توسيع الاسواق الخارجية للسلع والخدمات الوطنية وتطوير علاقات تونس التجارية بصفة خاصة مع البلدان المغاربية وبلدان إفريقيا جنوب الصحراء.
6 ـ اصلاح المؤسسات العمومية
تعيش اغلب الشركات العمومية مشاكل عديدة : سوء التصرف، التسيير البيروقراطي المكبل للمبادرة والابتكار، تفشي عقلية “رزق البيليك”، غياب المحاسبة والمساءلة والعقاب، تفشي الرشوة والفساد وسوء الحوكمة داخلها. وهو ما أدى الى عجوزات مالية كبيرة وحتى الى حالات افلاس.
ان أي اصلاح لهذه المؤسسات يتطلب:
- وضع حد لهذه المشاكل وإعادة النظر في تحسين آليات الحوكمة والتسيير ومقاومة الفساد،
- العمل على تحقيق المردودية والنجاعة لهذه المؤسسات من خلال ابرام عقود جودة ونتائج. وهذا ما وقع اقراره وانجازه في البنوك العمومية ومن المفترض ان يقع اعتماد نفس التمشي وتطبيقه على مختلف المؤسسات العمومية وهو ما يتطلب توفر الإرادة السياسية الجادة والفعلية للإصلاح.
- وضع برنامج إعادة الهيكلة لإنقاذ المؤسسات العمومية الاستراتيجية على غرار المجمع الكيميائي التونسي وشركة فسفاط قفصة والخطوط التونسية والشركة التونسية للكهرباء والغاز والشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه.
7 ـ اصلاح القطاع البنكي
- أصبح القطاع البنكي التونسي مقصرا في تمويل الاقتصاد بالصفة المرجوة. فالبنوك غالبا ما تفضل اقراض حرفاءها التقليديين من الأغنياء وتعطي الأولوية للقروض الاستهلاكية ولا تمول المؤسسات الصغرى والمتوسطة. كذلك، أصبحت البنوك ذات طبيعة ريعية : تتولى شراء سندات الخزينة من الدولة مستعملة موارد البنك المركزي وتتحصل على هوامش ربح مرتفعة وهو ما يؤدي حتما الى تجفيف السيولة لدى البنوك والتقليص من القروض الممنوحة للاقتصاد.
- وضع حد لكثرة عدد البنوك وصغر حجمها وتشتتها وهي عوامل لا تساعد على تحسين الإنتاجية والقدرة التنافسية لهذه البنوك.
- تجنب التوزيع السيء للقروض الذي يؤدي الى زيادة المخاطر المحيطة بالقطاع البنكي، بحيث بلغت نسبة القروض المشكوك في استرجاعها 12 بالمائة : 19 بالمائة في البنوك العمومية و 10،5 بالمائة في البنوك الخاصة.
- الترفيع في نسبة القروض التي تمنح للقطاع الفلاحي الذي لا يتحصل الا على 4،2 بالمائة من القروض البنكية في حين انه يساهم بنسبة 9،5 بالمائة في الناتج الداخلي الخام. بينما يمنح قطاع الصناعة 37 بالمائة من مجمل القروض البنكية ويتمتع قطاع الخدمات ب 53 بالمائة من مجموع هذه القروض.
- العمل على التخفيض من المخاطر المتأتية من هشاشة المنظومة البنكية نفسها : نقص السيولة، ارتفاع نسبة الفائدة المديرية من طرف البنك المركزي، تدهور القدرة الشرائية وتقليص فرص الادخار، تجفيف للسيولة البنكية نتيجة الاحتياجات المتزايدة للدولة.
8 ـ دعم تحويلات التونسيين المقيمين بالخارج
تمثل تحويلات التونسيين المقيمين بالخارج في 2021 نسبة 20 بالمائة من مجمل احتياطات تونس من العملة الصعبة وهذه التحويلات متأتية بنسبة 86 بالمائة من البلدان الأوربية (فرنسا: 44 بالمائة، ألمانيا: 17 بالمائة، إيطاليا: 13 بالمائة) ومن البلدان العربية في حدود 10 بالمائة منها 4 بالمائة من السعودية . ان الزيادة في هذه المساهمة تتطلب اتخاذ كل الإجراءات الكفيلة بالرفع من مبالغ هذه التحويلات وتوجيهها خاصة نحو الاستثمار في القطاعات المنتجة.
9 ـ تحفيز الاستثمارات المحلية والأجنبية
أدت السياسة النقدية المتشددة الى نسبة فائدة مديرية مرتفعة وكانت النتيجة أن ارتفعت كلفة التمويل وهو ما أدى الى العزوف عن الاستثمار من طرف المستثمرين التونسيين والأجانب على حد السواء.
كذلك، أدى تدهور قيمة الدينار الى ارتفاع كلفة توريد المواد الأولية ونصف المصنعة والمعدات وهذا من شانه ان يؤثر سلبا على الاستثمار.
لذلك فان تحفيز الاستثمار يمر عبر:
- التخفيض في نسبة الفائدة المديرية،
- وضع حد لانزلاق الدينار،
- الرفع من مستوى الادخار الوطني لأنه لا يوجد استثمار بدون ادخار،
- تحسين مناخ الاعمال وإعادة الثقة لدى المستثمرين المحليين والأجانب.
10 ـ مواجهة التداين الخارجي
أصبحت تونس تعاني من تبعية هيكلية تجاه التداين الخارجي ويعود ذلك الى ارتفاع في النفقات العمومية لم يصاحبه ارتفاع في الموارد المالية. ان عدم التوازن بين الموارد والنفقات ليس مرده تطبيق سياسة اقتصادية موجهة للتنمية بل هو ناتج خاصة عن الزيادة في النفقات الجارية وتحديدا الأجور.
ان مواجهة التداين الخارجي تكمن في تحسين مداخيل الدولة وترشيد نفقاتها لتفادي اللجوء الى التداين.
الخاتمة
- ان نجاح أي برنامج إصلاحي يتطلب إرادة سياسية حازمة ومناخ اجتماعي مستقر،
- اسقاط النظريات الاقتصادية النيوليبرالية لصندوق النقد الدولي على اقتصاد يعيش ازمة حادة مثل الاقتصاد التونسي هو بمثابة مجازفة خطيرة ذات عواقب وخيمة،
- الإصلاحات التي يطالب بها صندوق النقد الدولي والتي توصف بالموجعة لها انعكاسات اجتماعية مدمرة على الفئات الشعبية الفقيرة والمناطق المهمشة،
- تنفيذ الإجراءات العاجلة الهدف منه في مرحلة أولى وضع حد للنزيف الكارثي الذي ينخر الاقتصاد الوطني وفي مرحلة ثانية إنعاش هذا الاقتصاد من خلال تشغيل محركات التنمية على غرار الاستهلاك والاستثمار والتصدير.