بقلم الهادي بن منصور… مقاربة تربوية لتثمين التعلّم البيئي
تخضع الطبيعة لمبدأ التبدل والتغيّر الدائم، وهذا طبعا في علاقة مباشرة بمختلف أنشطة الانسان اليومية خاصة منها التقنية المتسارعة بشكل ملفت للنظر والتي أفرزت مجموعة من التغييرات التي أثرت ولا تزال بشكل سلبي على حياة الانسان وعرضت حياته للخطر وهو ما يجعلنا أمام مشكلات بيئية كان للإنسان نفسه أدوار ومسؤوليات في نشوئها ولم تعد بالتالي البيئة سببا للإنماء والرفاهية بل للخوف مما قد يحدث قريبا. وإذا إعتبرنا أن التربية هي الأرض الوحيدة مسرح للنشء الحسن والمثمر ، إهتمت الدول أما في تونس فإنه ورغم الأخطار لازلنا نحلم ، بالسياسات التعليمية لمجابهة مختلف التحديات بإمكانية الإصلاح التربوي الحقيقي وخاصة في المجال المتعلق بالبيئة والمناخ وهو ما يجعل هذا البحث المختصر دعوة لضرورة إدماج بيداغوجيا المقاربة البيئية داخل النظام التربوي التونسي. يمكن تعريف البيداغوجيا على أنّها فنون التعلم مشتملةً على المقاربات والطرق والمناهج الممكن اتباعها من أجل تحقيق تلك الأهداف، ويبقى الهدف الأسمى اليوم إنقاذ ما تبقى من العالم باتباع سياسة متكاملة تعتمد على الوعي المعرفي لعالم المناخ وخصوصياته التي تثمن التدخل العلمي المدروس عند معالجة الظواهر البيئية على اختلاف تنوع مصادرها وبيئاتها البحرية والترابية والهوائية. وفي خضم البحوث التربوية التي أجريها أذهب بهذا التناول ليكون بوابة رؤية بيداغوجية لعالم البيئة داخل الفضاءات التربوية التونسية النظامية (المدرسة) واللانظامية (رياض الأطفال) على حد السواء ، وهي التي بقيت تحتاج إلى تعلم بيئي يرشد أطفالنا إلى الممارسات الإيجابية خصوصا مع ما تعيشه بلادنا والعالم بأسره من تغييرات مناخية وبيئية . إن الحاجة للزراعة المحلية تبدو اليوم من اكثر الحلول الموضوعية داخل المجتمعات وبالنظر للواقع التونسي تعتبر التغييرات الاقتصادية من السمات الهامة التي شهدها المجتمع لعل أهمها ارتفاع أسعار الحاجات الغذائية ومنها على وجه الخصوص الزراعية حيث أشارت منظمة في تقرير أصدرته مؤخرا أنها سجلت نصف مليون ”الفاو“ الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة 4.3 جائع في تونس أي بنسبة %.عاجزون عن سدّ حاجياتهم الغذائية ويمثل هذا المؤشر رقما صادما يمكن الإشارة من خلاله لضرورة التحرك الذاتي وهذا في اعتقادي لا يكون إلا بالتجربة
نحو مقاربة تربوية تثمن التعلم البيئي
الاجتماعية المحلة التي تمثل أحد الحلول الناجعة وتتمثل أساسا في إعتماد كل عائلة تونسية على زراعتها الذاتية حتى في مساحة صغيرة من الأمتار وهذا لا يمكن تحقيقه إلا من خلال الانضباط لمقاربة تربوية تثمن العمل البيئي بشكل عام والزراعة بشكل خاص حيث يفترض ان يمارس كل طفل نشاط الزراعة وتقنياتها العلمية في مرحلته الأولى بين مؤسستي روضة الأطفال والمدرسة . ويمثل الوعي بمعرفة التلوث جزءا أساسيا من المقاربة التربوية حيث تعتبر من المشكلات الأساسية في عصرنا الحالي ولو حللنا مصادرها سوف لن نجد ارتباطها بالثورة الصناعية فقط ولكن أيضا بندرة المعالجة العلمية والتقنية للفضلات وبالتالي تعتبر مسألة تشخيص النفايات البلاستيك) من أهم الحلول – الحديد – البلور – وتبويبها ثم فرزها بشكل علمي (المواد العضوية الضرورية للحد من التلوث وهذا في صميم العمل التربوي خاصة عندما نربي أطفالنا على ضرورة إتباع هذه الطريقة من الفرز والتخزين . إن المناقشة الموضوعية لأهمية التكيف المناخي للعالم العربي وتونس على وجه الخصوص يتطلب بالأساس وضع سياسة متكاملة يسهر على التخطيط لها مختصون عارفون بشؤون المناخ ومعارفه وتقنياته وفق مبدأ استراتيجية المشروع التي تحدد احتياجات الوضع انطلاقا من دراسة الواقع المعقد المتصل بسلوك االفرد الذي بات المفتاح الرئيسي للتغيير وهو ما يطرح مشكلة تغيير السلوك وشروطها واحتياجاتها الكفيلة بضمان حوكمة العيش وهذا لن يتحقق الا من خلال التربية التي تبقى الحرب الوحيدة التي يجب ان نخوضها دون هوادة ودون شروط مسبقة وسلاحنا في ذلك مقاربة معرفية تثمن التعلم البيئي لجميع مراحل تعليم الطفولة وهذا ممكن شريطة الاعتمادا على مخطط يعنى بتطوير كفايات المدرسين المهارية والمعرفية في سياق المقاربة البيئية التي تبقى مشروعا ملحا رغم أن الحق في بيئة سليمة ومتوازنة قد تمت دسترته في القانون التونسي الحديث إلا أننا لازلنا بحاجة ماسة إلى مقاربة أشمل بكل ما تحمله الكلمة من معاني للارتقاء بمضامينها حتى تصبح توجها تربويا في النظام التربوي التونسي الحديث.
الهادي بن منصور
باحث في مجال استراتيجيات التعلم
متفقد بيداغوجي