الرئيسية / متفرقات / من ديسمبر2010– إلى ديسمبر 2018….رحلة التلاعب بشعب  تاعب 

من ديسمبر2010– إلى ديسمبر 2018….رحلة التلاعب بشعب  تاعب 

 

 

 

الأيام تمر..ولكن لا شيء جوهري يتغير في البلاد… فلازال الوضع العام ضبابيا.. ولازال المواطن ينتظر تحقق مطالبه.. ولازال الواقع الاجتماعي والاقتصادي يترنح؟؟ فما هي الأسباب التي جعلت الأمور تصل إلى هذا الحد من الاحتقان والتشنج على عكس ما كان ينتظره التونسيون ويعقدونه من آمال على ثورتهم التي استبشروا بها أول الأمر حتى أنا أصبحنا نحن نرى الكثير من الأصوات التي ترتفع اليوم للتنديد بها؟؟؟

القضية تحتاج دراسة شاملة ومعمقة .. ولكن سنحاول في هذه العجالة تقديم تحليل أولي ومقتضب لأسباب هذا الذي نعيشه اليوم من احتقان وتحريض والذي لا يبشر بالخير إذا ما استمر… لأنه سيؤدي حتما إلى النفجار

حسب رأيينا أن السبب الرئيسي والأساسي لما يحدث اليوم في البلاد من فوضى سياسية واجتماعية واقتصادية ازداد معها الشعور بالإحباط عند الغالبية العظمى من التونسيين هو اعتقادهم: أنه وبمجرد التخلص من رأس النظام السابق فإن الأوضاع في البلاد ستتحسن بين عشية وضحاها وأن البلد سيتحول من بلد يرزح تحت حكم الاستبداد والمافيا المنظمة والمقننة إلى بلد حر وسيد ومزدهر؟؟؟

لم يكن أحد يعرف- نظرا لعدم وجود ثقافة سياسية عند أغلب التونسيين بسبب طول مدة الاستبداد والقمع التي عرفتها البلاد- أن النظام الاستبدادي وإن كانفي ظاهره متركزا في يد أعلى رأس السلطة إلا أنه ما كان لينجح ويستمر دون أن يكون مستندا إلى منظومة متكاملة من أذرع اخطبوطية تمتد أطرافها في كامل البلد وتسيطر على كل تفاصيل الحياة فيه… تحت مسميات الحزب والمنظمات والجمعيات إلخ… الشعب والشعب المهنية واتحاد المرأة والمنظمات التي كانت مرتبطة ارتباطا عضويا بالحزب الحاكم هذا إضافة إلى أجهزة الدولة التي تتحول في مثل هذه الأنظمة الدكتاتورية الفردية القمعية والتسلطية إلى دوات في يد الحاكم بأمره وجزءا لا يتجزء من منظومته إضافة إلى كل المستفيدين من ذلك النظام من الناحية الاقتصادية والسياسية… كل أولئك يشكلون منظومة متكاملة ومتغلغلة في كل أركان الدولة والمجتمع ومن الصعب جدا تفكيك تلك المنظومة بسهولة… هذا إضافة إلى قلة خبرة الأطراف التي أمسكت بالسلطة إثر الثورة مباشرة والتي كانت محشورة بين مطرقة مطالب الثواروالشعب من ناجية وبين سندان مقاومة النواة الصلبة لبقايا النظام ذات المصالح الكثيرة والارتباطات الخارجية المؤثرة والفاعلة

إن عدم وعي المتصدين للحكم بعد الثورة والمتمثل في جماعة “الترويكا” لمدى صعوبة التحديات التي تنتظرهم ومدى الألغام المزروعة في طريقهم وتعاملهم بكثير من السذاجة والطوباوية مع تلك المرحلة.. ومدى شراسة الهجمة وردود فعل النواة الصلبة والعريضة للنظام القديم بكل روافده المقنعة مع الدعم الخارجي من أنظمة التخلف والاستبداد في المنطقة وأنظمة النهب والهيمنمة الإمبريالية الغربية كل ذلك جعل كل محاولات الإصلاح وإعادة البناء ومقاومة الفساد مهمة شبه مستحيلة… لقد وجدت الحكومات المتعاقبة نفسها تقوم بدور رجال المطافئ طوال الوقت دون أن يكون هناك متنفس من أجل الشروع في إصلاح أي شيء…وهكذا بقي الأمر كما هو عليه طيلة فترة الترويكا ما عدى بعض الحلول الترقيعية العديمة الأثر على المدى القصير خاصة… ثم عادت المنظومة القديم لمواقعها.. ولكن في ظروف مغاييرة ..فهي وإن فعلت المستحيل من أجل طي صفحة الثورة واستحقاقاتها.. فإنها فشلت في ذلك رغم أنها لم تترك شيئا إلا وجربته نظرا لوجود مقاومة لا يستهان بها من التونسيين ووعي بدأ يتشكل عندهم بمدى الفساد الذي كان يغرق البلاد في الماضي وضرورة القطع مع وإلى الأبد

إن استراتيجية المنظومة القديمة للحكم وإن كانت تختلف عما شهدناه في بعض الدول العربية على غرار مصر وسوريا فإنها كانت ولا تزال تهدف لتحقيق نفس النتيجة وهي العودة للإمساك بزمام الحكم المطلق ولو مع بعض المساحيق لتمرير الموضوع وتسويقه بالداخل والخارج… فبينما عمد النظامان المصري والسوري لاستخدام القوم والإرهاب لقمع الشعب وإجهاض ثورته.. وهو الأمر الغير متاح في تونس.. فإنهم عمدوا إلى تعطيل الإصلاحات وتركيع الاقتصاد وتأليب التونسيين

إذا فإن جزءا كبيرا مما تشهده بلادنا من تخريب واحتجاج وتعطيل للاستثمار والانتاج وتدهور لقيمة الدينار وإعراق البلد في القروض … كله يدخل في هذا البلاب من أجل تعليق كل ذلك على الثورة وتنفير الناس منها وقلبهم عليها وإعادة الوضع إلى ماكان عليه حتى أننا نرى كيف يروجون لعودة بن علي ويتقهرون حسرة على أيامه؟؟؟

 

إن وعي التونسيين بأن هذه الثورة هي مشروعهم وأنها أمانة في رقابهم دفع من أجلها أثمان باهضة من دماء وأرواح الجرحى والشهداء ووأعمار وآلام المعذبين والمسجونين هو السبيل الوحيد لتحقيق الحلم الذي يكفل للتونسيين الخروج للأبد من وضع التخلف والتبعية والاستبداد إلى وضع الحرية والازدهار والكرامة… لا شيء يأتي بدون ثمن… ومخطئ من يظن أن هناك جهة معينة أو حزبا معينا أو تيارا معينا هو وحده الكفيل بتحقيق ما حلم به التونسيون يوما.. إن الثورات هي مشاريع مجتمعية كبرى.. والشعب التونسي أذهل العالم بقيامه بتلك الخطوة الأولى .. ولكنها غير كافية… ويمكن أن نخسرها بسهولة إن لم نتبعها بخطوات أخرى

فما نيل المطالب بالتمني… ولكن تؤخذ الدنيا غلابا

ومن لا يروم صعود الجبال… يعش أبد الدهر بين الحفر